التاريخ الأسودمجتمع ومنوعات

“جيفارا الأفريقي” يطارد فرنسا حيًا وميتًا.. بوركينا فاسو تعيد تسمية شارع ديجول إلى توماس سانكارا

كان سانكارا، رئيس بوركينا فاسو السابق، منارة في سجل التاريخ الأفريقي، ويعد رمزًا للأمل بالنسبة للكثيرين

قررت السلطات في بوركينا فاسو، إعادة تسمية شارع (الرئيس الفرنسي الأسبق) شارل ديجول، وهو شريان رئيسي في البلاد إلى شارع توماس سانكارا، وذلك اعتبارًا من يوم الأحد 15 أكتوبر 2023، في سياق تحول تاريخي للبلد الأفريقي الذي يسير نحو فك ارتباطه بالمستعمر الفرنسي.

وفي الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء، تم اتخاذ القرار المهم الذي يتردد صداه التاريخي في بوركينا فاسو، بعد أن كانت فيه إدارة البلدان الأفريقية الناطقة بالفرنسية باستخدام أسلوب الاستيعاب وضعت الثقافة الفرنسية في مقدمة جميع الثقافات الأخرى، بينما تشهد هذه البلدان ما يعتبره مراقبون تحررًا من الاستعمار القديم، ويلقى قبولاً شعبيًا كبيرًا.

تراث توماس سانكارا

كان توماس سانكارا، رئيس بوركينا فاسو السابق، منارة في سجلات التاريخ الأفريقي، فهو معروف بسياساته الثورية والتزامه الثابت بالعدالة الاجتماعية، ويعد رمزًا للأمل بالنسبة للكثيرين.

صعد سانكارا الذي اشتهر بلقب “جيفارا الأفريقي” إلى السلطة في عام 1983 بعد انقلاب عسكري، وخلال فترة ولايته قام بتنفيذ سلسلة من الإصلاحات التي تهدف إلى تحسين حياة مواطنيه.

وامتدت سياساته من إعادة توزيع الأراضي إلى حقوق المرأة وتعزيز الاكتفاء الذاتي، وكان أيضًا من أشد المنتقدين للإمبريالية، ودافع بلا كلل عن استقلال أفريقيا ووحدتها.

ومع ذلك، انتهى عصر سانكارا فجأة عندما اغتيل في عام 1987، وكانت وفاته منذ ذلك الحين نقطة نقاش ساخن، حيث أشار الكثيرون إلى أن اغتياله كان لدوافع سياسية.

إعادة تعريف هوية البوليفارد

يحمل قرار إعادة تسمية شارع شارل ديغول على اسم توماس سانكارا آثاراً كبيرة:

  • أولاً، إنه بمثابة اعتراف بمساهمات سانكارا في بوركينا فاسو وتأثيره الذي لا يمحى على تاريخ البلاد.
  • ثانيًا، أنها خطوة استراتيجية لضمان تخليد ذكراه وتثقيف الأجيال القادمة حول إرثه.

علاوة على ذلك، تمثل إعادة التسمية هذه خطوة رمزية نحو إنهاء الاستعمار ورفض الماضي الاستعماري للبلاد، إذ يعد الشارع الذي سمي في البداية على اسم رئيس فرنسي سابق (شارل ديجول) بمثابة تذكير دائم بتاريخ بوركينا فاسو الاستعماري.

كما أن القائد الفرنسي ديجول قاد جملة من المذابح الفرنسية بحق الشعوب الأفريقية، ومنها الكاميرون والجزائر ومدغشقر.

ومن خلال إعادة تسميتها على اسم شخصية وطنية بارزة، تستعيد بوركينا فاسو سردها التاريخي وتؤكد استقلالها، وفق مراقبين.

ردود الفعل العامة والتداعيات

ومن المتوقع أن يخلق هذا القرار ردود فعل متباينة خصوصًا من قبل حكومة رئيس الوزراء الفرنسي إيمانويل ماكرون، في حين أن العديد من البوركينابيين يشيدون بهذه الخطوة لتكريم سانكارا ويعتبرون إعادة التسمية خطوة إيجابية، إلا أن البعض قد يعرب عن معارضته.

وقد يفسرها النقاد على أنها خطوة مشحونة سياسيًا أو محاولة لإعادة كتابة التاريخ، لكن؛ وبغض النظر عن الآراء المختلفة، فمن الأهمية بمكان أن نفهم أن إعادة تسمية الشارع هي لفتة رمزية ولا ينبغي أن تلقي بظلالها على القضايا الأوسع المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والمساواة التي دافع عنها سانكارا.

وبشكل عام، تعد إعادة تسمية شارع شارل ديغول إلى شارع توماس سانكارا خطوة مهمة ورمزية نحو تكريم بطل قومي واستعادة تاريخ بوركينا فاسو.

إنه بمثابة تذكير مؤشر لكفاح البلاد من أجل الاستقلال والكفاح المستمر من أجل العدالة الاجتماعية.

وفي سبتمبر الماضي، أعلن المجلس العسكري في بوركينا فاسو، إيقاف إصدار مجلة “جون أفريك” الفرنسية،  بدعوى نشرها مقالات “مضللة” عن الجيش البوركينابي، إضافة إلى اتهامها بـ”نشر الفوضى” في البلاد.

وتمثل تلك الخطى البوركينابية، تصعيدًا ضد فرنسا، ما أسفر عن وجود توترات بين بوركينا فاسو والمستعمر الفرنسي السابق، خصوصًا بعد أن  أدت الإحباطات الشعبية الناجمة عن تفاقم انعدام الأمن المرتبط بالتمرد المسلح إلى انقلابين عسكريين العام الماضي.

 

تقارير متصلة

زر الذهاب إلى الأعلى