التاريخ الأسود
أخر الأخبار

الأزمة في الكونغو الديمقراطية: العوامل الداخلية والإقليمية والدولية والدور الإسرائيلي

تُصنَّف جمهورية الكونغو الديمقراطية ضمن أفقر الدول عالميًا، رغم امتلاكها لموارد طبيعية ضخمة.

بقلم: إدريس آيات*

الأزمة في الكونغو الديمقراطية.. تُصنَّف جمهورية الكونغو الديمقراطية ضمن أفقر الدول عالميًا، رغم امتلاكها لموارد طبيعية ضخمة.

وتشير التقديرات إلى ما يقارب 80.9 مليون هكتار من الأراضي الزراعية، وتنوع معدني يشمل المعادن النفيسة والاستراتيجية منها: النحاس، الكوبالت، الذهب، الألماس، الكولتان، الزنك، القصدير، التنجستن، وكذلك مواد معالجة المعادن والمنسوجات، البلاستيك، الأحذية، السجائر، واليورانيوم، وغيرها.

وعلى الرغم من ذلك، تحتل البلاد المرتبة 175 على مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية لسنة 2021، مع نسبة فقر مدقع تصل إلى 73% من السكان. يعود تفاقم هذه المفارقة إلى تاريخ من الاستغلال الاستعماري والنزاعات الداخلية، ويُقدَّر أن قيمة الاحتياطيات المعدنية الخام غير المستغلة بأكثر من 24 تريليون دولار أمريكي.

تعكس الفترة من 1876 إلى 1908، حقبة استغلالية حيث أدرج ليوبولد الثاني، ملك بلجيكا، الكونغو ضمن ممتلكاته الشخصية، مستندًا على العمل القسري لإنتاج المطاط. وقد ارتبط حكمه بمقتل حوالي 15 ملايين شخص. بعد نضالات الاستقلال، حصلت الكونغو على استقلالها في سنة 1960.

تبع ذلك، فترة من عدم الاستقرار حيث سعت منطقة كاتانغا للاستقلال بمساعدة بلجيكا، في حين سعى باتريس لومومبا، رئيس الوزراء في يونيو 1960، لتحقيق استقلال تام النظام بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي، وهو ما يعكس تأثير الحرب الباردة على الكونغو.

على الرغم من الجهود الاستقلالية للومومبا، تم اعتقاله وإعدامه تحت ظروف قاسية وغير إنسانية في سن الـ35، مما أثار ردود فعل دولية ومحلية غاضبة بتآمر من أعداء الداخل متعاونًا مع الولايات المتحدة، بلجيكا، فرنسا ، الأمم المتحدة.

أدى دعم الولايات المتحدة، فرنسا، والأمم المتحدة لانقلاب الدكتاتور جوزيف موبوتو في 1965، الذي حكم البلاد بقبضة حديدية لعقود، وغضّ الغرب الطرف عن فظاعته لأنّه كان يضمن وصولهم إلى مناجم الموارد الطبيعية في البلاد، حتى اضطر لتقاسم السلطة في التسعينات، ورغم وعوده بإجراء انتخابات، لم يحدث ذلك أبدًا، ما زاد من عدم الاستقرار في الدولة. ما سينتج عنه الحروب الكونغولية.

أود الإشارة إلى أنّه من الخطأ تفسير الأزمة باعتبارها ” حربًا إقليمية” فقد عانت البلاد من 40 سنة تحت حكم وإبادة الملك ليوبولد الثاني البلجيكي، ثم 90 عامًا من الاستعمار ينتهي بذبح المناضل باتريس لومومبا ذلك ما سيجزأ البلد ويفككها إلى إقطاعات سياسية تحت أحكام أمراء بدعم من حلفاء دوليين بغية السيطرة على الموارد الطبيعية، فجميع الحروب والأزمات نتيجة مباشرة لاغتيال لومومبا، وقطع تلك الجزئية محاولة مضللة لإسقاط الضريبة عن القوى وأدوارها فيما يجري في الكونغو.

الدوافع الداخلية للأزمة

قبل التطرق إلى الحرب الكونغولية الأولى، أودّ التطرق إلى الأسباب الداخلية لاستمرار الصراع:

  • إنّ اغتيال باتريس لومومبا سيؤدي إلى أزمة هوية في الكونغو والانقسام الإثني:

أفضت الإشكاليات المتعلقة بالهوية، خاصة بالنسبة للبانيا رواندا والبانيا مولينغي، إلى توترات عرقية أساسية أشعلت فتيل الصراعات المطولة. السياسات التي أُتبِعت لم تبحث عن حلول جذرية لهذه الأزمة، بل تم استغلالها لتعزيز السيطرة السياسية، كما في الأوامر التي صدرت في عهد موبوتو سيسي سيكو، ما عمق الأزمة.

وتلا تسييس الإثنية الفساد السياسي بين  النخب السياسية في كينشاسا ونمطًا من الزبائنية، حيث تم تسخير ثروات البلاد لمصالح شخصية بدلاً من السعي لاستغلالها في تحقيق الاستقرار الوطني. جيسون ستيرانز يصف هذا السلوك بأنه مزيج من اللامبالاة والعجز والانتهازية.

ثم انتشر الفساد في المؤسسة العسكرية: عانى الجيش الكونغولي منذ اغتيال لومومبا من شبكات الولاء المبنية على العرق والمصالح المادية، مما أضعف كفاءته القتالية وشرعن اختلاس الميزانيات والمعدات، ما نتج عنه تقويض الفعالية العملياتية للقوات المسلحة.

  • التحالف مع الفصائل المتمردة:

أحيانًا، تتحول القوات الكونغولية إلى داعمين للفصائل المتمردة، مما أدى إلى استمرار العنف بسبب المصالح المشتركة، وكانت حركة NDC-Rénové مثالاً على ذلك.

ونتج عن ذلك تجاهل اتفاقيات السلام:

  • رغم توقيع اتفاقيات سلام متعددة، لم تنجح في إحلال الاستقرار، مما أدى إلى تفاقم الانقسامات وتمردات جديدة، مثل CNDP و M23، والتي استمرت في تأجيج النزاعات.
  • استغلت الحركات المتمردة الموارد المعدنية وفرضت الضرائب لتمويل أنشطتها، مما سمح لها بإقامة “إقطاعيات سياسية” واقتصادات حرب مستقلة.
  • طبعت مع العنف وتحوله من أداة لأهداف وطنية إلى وسيلة للكسب المادي، حيث يفتقر الشباب إلى البدائل الاقتصادية مثل الزراعة، مما أدى إلى رؤية التمرد كوسيلة للعيش.

الصورة

الدوافع الإقليمية للأزمة

خذ في الحسبان أنّ النزاع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية أدى إلى وفاة ما يقارب الستة ملايين شخص.

ومنذ اغتيال لومومبا لم تعرف الكونغو استقرارًا، لكن تبدأ القصة الدموية في عام 1996 حيث أدت الصراعات في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، المرتبطة بالإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، إلى مقتل ملايين الأشخاص.

تعود جذور هذه الأزمة إلى الفظائع التي ارتكبها المتطرفون من الهوتو في رواندا، حيث قتلوا حوالي مليون توتسي وهوتو معتدلين، مما أدى إلى فرار الناجين إلى الكونغو المجاورة.

هناك، أسسوا مخيمات للاجئين في منطقة كيفو، التي أصبحت مركزًا لتوترات عرقية وسياسية عميقة الجذور.

ازداد الوضع سوءًا مع تشكيل ميليشيات هوتو متطرفة داخل الكونغو، مما أدى إلى تصاعد الضغوط مع ميليشيات توتسية مدعومة من قوى أجنبية. استجابة لهذا الوضع، شنت الجبهة الوطنية الرواندية، بقيادة الرئيس بول كاغامي، هجومًا على الزائير لإسقاط موبوتو سيسي سيكو، ( الدكتاتور الذي خان لومومبا لصالح الغرب) مدعومة بقوات من أوغندا، أنغولا، وبوروندي.

وتحالفت هذه القوات مع لوران كابيلا، زعيم المعارضة في ذلك الوقت، وتمكنوا من الإطاحة بموبوتو في 1997 وإعادة تسمية البلاد إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية.

لم يدم السلام طويلًا، إذ تدهورت العلاقات بين كابيلا وكاغامي، وفي عام 1998 اندلعت الحرب الكونغولية الثانية. حيث حاول كابيلا التقليل من التأثير الرواندي وأمر بانسحاب القوات الأجنبية، لكن هذا فقط أجج النيران.

حيث ردت رواندا بغزو جديد بذريعة حماية حدودها من ميليشيات الهوتو. لتصبح الكونغو ساحة للصراع الإقليمي، مع تدخل كلٍ من أنغولا، ناميبيا، وزيمبابوي لدعم كابيلا.

ومع تصاعد العنف، اتهم المجتمع الدولي رواندا بفظائع ضد الهوتو. وفي عام 2001، أدى اغتيال لوران كابيلا إلى تسلم ابنه جوزيف السلطة، الذي نجح في إنهاء الحرب رسميًا في عام 2002 بعد موت أكثر من ثلاثة ملايين شخص في الحرب الثانية فقط.

وفي الفترة التالية، واجهت الكونغو الديمقراطية تحديات شاقة في تحقيق الاستقرار، مع استمرار الاشتباكات رغم الاتفاقيات السلمية والمحاولات للمصالحة الوطنية. وفي عام 2006، انتُخب جوزيف كابيلا رسميًا بعد انتخابات ديمقراطية.

على الجبهة العسكرية، برزت حركة 23 مارس (M23) كقوة رئيسية في شرق الكونغو، مما أثر على العلاقات بين كيغالي وكينشاسا، خصوصًا مع اتهامات لرواندا بدعم الحركة. والتي تتألف في الأساس عناصر من أصول توتسية.

بين عامي 2012 و2013، أصبحت M23 قوة لا يمكن إنكارها في شرق الكونغو الديمقراطية، واتهمت كينشاسا كيغالي بدعم المجموعة. في عام 2013، صرح مجلس الأمن الدولي بإنشاء لواء هجومي نادر تحت ولاية بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية تدعى  (MONUSCO) لدعم الجيش الكونغولي في قتاله ضد M23.

وكانت MONUSCO فعالة في دعم الجيش الكونغولي، حتى أوقفت M23 حملتها الأولية في عام 2013، لكن أدى دعم رواندا لـ M23 إلى تلفيات دائمة في العلاقة بين كيغالي وكينشاسا.

ظهرت نقاط توتر أخرى على مدى العقدين الماضيين في الدول على الحدود بين الكونغو ورواندا، مثل إيتوري، وغالبًا ما تشمل الجماعات العرقية والمسلحة التي تعود نزاعاتها إلى حروب الكونغو.

جلب القرن الحادي والعشرون تعقيدًا إضافيًا لجهود السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية: مع انتشار عمليات التعدين. كما سلف ذكرن تضم الكونغو الديمقراطية بعضًا من أكبر احتياطيات المعادن الأرضية النادرة في العالم المستخدمة لإنتاج الإلكترونيات المتقدمة. ومع ازدياد الاعتماد العالمي على الكوبالت والنحاس والزنك وغيرها من المعادن، أصبحت الجماعات المحلية والخارجية أكثر حماسًا للتورط في النزاع الكونغولي.

وقد أثرت الصراعات الحدودية والطموحات الاقتصادية، لا سيما في مجال التعدين، على ديناميات السلطة والاستقرار في المنطقة.

وفي 2018 تم إعلان فيليكس تشيسيكيدي فائزًا في انتخابات ديسمبر 2018 في الكونغو الديمقراطية وتم تنصيبه في يناير 2019. مثلت عملية الانتقال السلطة من الرئيس جوزيف كابيلا أول انتقال سلمي للسلطة في تاريخ الكونغو الديمقراطية. ومع ذلك، تم التشكيك في نتائج الانتخابات لعام 2018 منذ ذلك الحين، وتشير بعض بيانات الاستطلاع إلى أن مرشحًا مختلفًا، مارتن فايولو، ربما كان الفائز.

الصورة

أسباب اندلاع النزاع الراهن

في عام 2022، تصاعدت التوترات المتجددة بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، وظهرت حركة المتمردين M23 مرة أخرى بعد خمس سنوات من الخمول وقد استولت على أجزاء كبيرة من مقاطعة كيفو الشمالية بحلول يوليو 2023.

اتهمت كينشاسا كيغالي بتمويل ودعم عودة M23 (اتهام تدعمه الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة). بالمقابل، اتهمت كيغالي كينشاسا مرة أخرى بدعم ميليشيات الهوتو المتطرفة وزادت من وجودها العسكري داخل الكونغو لرواندا وأوغندا – والميليشيات بدعمهم – مصالح مالية في المناجم الكونغولية (على الرغم من أنها ليست دائمًا شرعية).

وفي أكتوبر، حذرت شيا هوانغ، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى منطقة البحيرات العظمى، من أن التوترات بين البلدين يمكن أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية مفتوحة، معربًا عن قلقه بشأن “التعزيز العسكري في كلا البلدين، وغياب الحوار المباشر على مستوى عالٍ، واستمرار خطاب الكراهية”.

كانت المحاولات المتكررة للوصول إلى وقف إطلاق نار دائم بين M23 والحكومة الكونغولية غير ناجحة، وتستمر أعمال العنف بشكل متقطع. ولا يزال عدد الضحايا في ارتفاع بينما تهاجم المجموعات المسلحة مخيمات النازحين، والمدنيين في الكونغو الديمقراطية وخارجها، والجماعات الذاتية الدفاع.

وفي مايو وافقت مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (SADC) على نشر قوات إلى شرق الكونغو لمساعدة القوات الأممية قبل انتخابات ديسمبر 2023. ومع ذلك، بعد شهر، أعلنت الأمم المتحدة عن انسحاب مخطط لبعثة حفظ السلام MOUSCO التي لا تحظى بشعبية كبيرة، وهو قرار وصفته الولايات المتحدة بأنه سابق لأوانه.

أدى السمعة السيئة لبعثة الأمم المتحدة إلى الاضطرابات العنيفة والقتل خارج نطاق القانون للمتظاهرين ضد MONUSCO من قبل قوات الأمن الكونغولية في غوما. اعترف مسؤولو الأمم المتحدة بأن التقلص التدريجي لقوات MONUSCO وغيرها يشكل خطر حدوث فراغ أمني وسط تدهور الوضع الأمني في إيتوري وكيفو الشمالية.

بالإضافة إلى تهديد M23، يواصل الجيش الكونغولي وسكان شرق الكونغو الديمقراطية مواجهة الهجمات المتزايدة من قبل قوات الدولة الإسلامية المنتسبة للقوات الديمقراطية المتحالفة (ADF) وغيرها من المجموعات. ولا تزال علاقات الكونغو الديمقراطية مع جيرانها الآخرين متوترة، بما في ذلك تلك مع بوروندي وأوغندا.

وقبل أسبوعين تجدد النزاع من جديد: من المحتمل أن تكون الأحداث الأخيرة التي أشار إليها الصحفي “شاكا بار” جزءًا من تصاعد العنف المتجدد الذي تشهد مناطق مثل كيفو وإيتوري توترات مستمرة ناجمة عن الخلافات الإثنية نفسها، وتنافس على الموارد، وعدم استقرار سياسي يسهم في تأجيج العنف.

السؤال كيف تشارك القوى الأجنبية في تزكية النزاع؟

الدوافع الدولية

قد يكون التنافس الأوروبي على المعادن أقدم إطار في التوجه الأجنبي نحو القارة، فيما سُمي بـ”التكالب على إفريقيا”. وترجع جذوره إلى خواتيم القرن الـ19، ففي يناير/كانون الثاني 1894، حتى نهاية القرن العشرين.

وخلال عشرين السنة الأخيرة، تندر متابعة عالم التكنولوجيا والتقنيات الإلكترونية الجديدة دون الوقوع على عبارة “غافا” (GAFA)، والتي تعني الحروف الأوائل من غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون (Google- Apple- Facebook- Amazon).

ولطالما اعتُبرتْ فخر الصناعة الغربية. ثم هنالك شركات عملاقة أخرى، وهي تسلا، HP، Dell، لكن يغيب عن الكثير أن هناك عمالقة موازين لها في الصين تُعرف اختصارًا بـ”باتكس” (BATX)؛ وتعني الحروف الأوائل من: “بايدو و”علي بابا” و”تنسنت” و”سياومي” (Baidu-Alibaba-Tencent-Xiaomi)(16) هي أيضًا حاضرة في أفريقيا، وبالتحديد في الكونغو للتنافس على المعادن النفسية والاستراتيجية في البلاد.

المثير أن ما بين 60% و70٪ من المعادن الاستراتيجية الضرورية، التي تستخدمها الشركات أعلاه، مستوردة من إفريقيا. وهو أحد الأسباب -إن لم يكن السبب الرئيس- في نمط التنافس المفترس في القارة.

فحين صارت المعادن الاستراتيجية تلبي احتياجات عمالقة التكنولوجيا، تنافست الشركات متعددة الجنسية عليها بغية تحقيق الأسبقية على الخصوم، وغني عن البيان أن لصراعاتها تداعيات أمنية، واقتصادية على إفريقيا ومناخها السياسي وتغذية الصراعات.

في ديسمبر/كانون الأول 2019، صحيفة الغارديان عن أن عائلات كونغولية رفعت دعوى قضائية في واشنطن ضد عمالقة التكنولوجيا، باعتبارها تقتل وتشوِّه أطفالها أثناء التنقيب عن الكوبالت المستخدم في الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والسيارات الكهربائية. والشركات المعنية بالدعوى هي: (آبل، وغوغل، ومایکروسوفت، وتسلا، وديل)، بواسطة مؤسسة حقوق الإنسان ( (International Rights Advocates نيابة عن 14 عائلة.

وتتهم الدعوى -التي ظهرت نتيجة البحث الميداني الذي أجراه الخبير الاقتصادي لمكافحة العبودية المعاصرة، سيدهارث كارا- الشركات بالضلوع في وفاة وتشويه الأطفال الذين يعملون في مناجم سلسلة التوريد، محاجِجَة بأنهم يعملون بشكل غير قانوني في مناجم مملوكة لشركة التعدين البريطانية “جلنكور”، بوصفها تمتلك ثلث مناجم الكوبالت، وتستورده شركة “يوميكور”( (Umicore البلجيكية -الدولة الاستعمارية السابقة-، التي تبيع الكوبالت بدورها لـ”آبل” و”تسلا” وبقية العمالقة.

وأدانت تقارير عديدة شركات غربية وصينية، في تزكية الصراعات، حيث تسلّك تلك الشركات بطرقٍ ملتوية الجنرالات التي تحرس المناجم التي تخرّج لها الكوبالت والكولتان والماس والذهب حتى لا يستحوذ عليها أمراء الحرب من ميليشيا الخصوم.

كما هو جلّي غذَّت الأحجار الكريمة والذهب والكوبالت والكولتان الصراع وتموِّله، لما تجنيه الميليشيات وأعضاء الجيش الكونغولي منه عبر السيطرة غير القانونية على تجارة المعادن. وحاليًّا يوجد ما يفوق 100 جماعة مسلحة في شرق الكونغو. وحوالي 10 منهم يحصلون على إيرادات كبيرة من التعدين.

على سبيل المثال، تسيطر ميليشيا (NDC-Rénové) على ما يفوق 100 موقع لتعدين الذهب والكوبالت في شمال كيفو. وحركة (M23) المتمركزة بمنطقة (ليتوري) تسيطر على العشرات هي الأخرى، فالأرباح ذات الصلة -التي تقدر بملايين الدولارات- كانت دائما محركًا لأنشطتها، وزبائنها من الشركات الأميركية، والبلجيكية، والكندية، والإسرائيلية والعديد من الشركات الصينية.

إسرائيل في الكونغو

تمتلك شركة دان جيرتلر الدولية (DGI)، والتي يملكها الملياردير الإسرائيلي دان جيرتلر، أكبر منجمين للألماس في الكونغو. وكذلك مجموعة آسا الدولية التي يمتلكها ملياردير هولندي، وإسرائيل من بين أبرز الفاعلين الدوليين المؤثرين في الأزمة في الكونغو الديمقراطية.

دان جيرتلر هو ملياردير إسرائيلي اكتسب ثروته الضخمة عبر تعاملات مثيرة للجدل في الكونغو الديمقراطية، بالأخص من خلال سيطرته على صناعة الماس. يُعتبر جيرتلر واحدًا من الأشخاص الذين استفادوا من النزاعات في الكونغو الديمقراطية، ويُشير إلى استغلال إسرائيل لأمثاله لتعزيز نفوذها في أفريقيا.

أصل جيرتلر يعود لعائلة كانت تستخرج الماس خلال فترة الاستعمار الأفريقي. بعد انتهائه من الخدمة العسكرية في إسرائيل وعندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، توجه إلى الكونغو التي كانت تعاني من الحرب الأهلية والفوضى الأمنية.

في ذلك الوقت، كان لوران ديزيريه كابيلا، قائد المتمردين، في حاجة ماسة إلى التمويل والأسلحة للسيطرة على العاصمة، وجمع جيرتلر، الطامح إلى ثروات الماس، مبلغ 20 مليون دولار لدعم التمرد.

بعد تولي كابيلا السلطة، بنى جيرتلر علاقات متينة معه، مُكَنّته من الحصول على حقوق تعدين بأسعار بخسة مقابل تأمين الدعم الدولي لنظام كابيلا، خلال حكم جوزيف كابيلا الذي استمر أكثر من عشرين عامًا.

صفقات جيرتلر

تمكن جيرتلر من عقد صفقات كبيرة غير قانونية لتصدير الماس، الذهب، النفط، والكوبالت، مما أدى إلى تكوينه ثروة تقدرها مجلة “فوربس” بمبلغ يصل إلى 2 مليار دولار.

الشركات التالية هي التي لا تزال تشتري الألماس من مناجم جيرتلر : 1) كارتييه 2) هاري وينستون 3) فان كليف وأربلز 4) بولغاري 5) غراف 6) شوبارد 7) بياجيه 8) ميسيكا 9) جاكوب أند كو 10) لو فيان 11) معوض، وغيرها.

بعبارة صريحة الشركات الغربية والإسرائيلة دعمت حركات تمرد وأمراء الحروب بالمال والسلاح، لضمان الحصول على المعادن، وأمراء الحروب هؤلاء هم الذين يقيمون المجازر والإبادة في شرق الكونغو راهنًا.

واليوم مع عودة العنف تتجلى تحديات الكونغو في مواجهة النزوح والأمن الغذائي، مع نزوح أكثر من 150 ألف شخص من غوما بسبب القتال، مما يزيد من إهمال ال أزمة على المستوى الدولي.

ووفر الصراع بيئة خصبة لتنامي تنظيمات مثل “داعش” وزاد من المخاطر على الأمن الإقليمي، في حين تستمر المعاناة الإنسانية في ظل العنف ضد النساء والفتيات، وعمالة الأطفال وغيرها من الانتهاكات الجسيمة.

مع استمرار النزاع وحملات التطهير العرقي والقبلي،  تستعرض شاشات الإعلام العالمى – المسؤول الأوّل عن الإبادة مع شركاتها- لقطات خجولة من ذلك البلد المهمّل أزمته، لا يعلم الكثيرون بأن معظم أولئك الملايين قد قتلوا لأنهم الوقود الأمثل للآلة الإمبريالية المتوحشة، كما أنّ الأمم المتحدة الشريك الآخر لا توفّر ملاذًا آمنًا إلا على مضض للضحايا.

تضم الكونغو الديمقراطية ما يقرب من 7 ملايين شخص تم تهجيرهم داخليًا بسبب تهديدات العنف والفظائع، والفقر المدقّع، وتوسع نطاق مناجم التعدين.

وبحسب الهيئات الدولية المتخصصة هناك حاجة ماسة للسكان النازحين إلى دعم أمني ومساعدة طبية وغيرها من المساعدات الإنسانية، ويسعى حوالي مليون مواطن كونغولي للجوء خارج حدود الكونغو.

ستُجري الكونغو الديمقراطية انتخابات وطنية في 20 ديسمبر 2023، لكن في الأشهر الثلاثة التي تسبق الانتخابات، تعرض المرشحون لهجمات من الرئيس وحتى السجن، وانقسمت المعارضة السياسية بين أكثر من عشرين مرشحًا.

وعليه أثارت المجموعات الرقابية الدولية القلق بشأن الممارسات الفاسدة للجنة الانتخابات الكونغولية واحتمال حدوث عنف سياسي في كينشاسا وخارجها، مما قد يزيد من النزاعات في المقاطعات الشرقية ويزيد من النزوح بالتزامن مع انسحاب القوات الأجنبية من الكونغو الديمقراطية.

لذا، في الختام أدعوكم لتكونوا أصواتًا للشعب الذي يباد بتواطئ إقليمي ودولي.

————————————————– ——————-

إدريس آيات، باحث في الشؤون الدولية والاستراتيجية- متخصص في أفريقيا والشرق الأوسطية بجامعة الكويت.

يمكنكم متابعة الكاتب عبر حسابه على تويتر

 

تقارير متصلة

زر الذهاب إلى الأعلى