التاريخ الأسودتقارير وتحليلات
أخر الأخبار

التاريخ الأسود.. كيف بدأ الاحتلال الأوروبي لأفريقيا؟

العنصرية البيضاء وتجارة الرقيق والتجارة في السلع وأشياء أخرى

يمكن الاستدلال على المراحل الأولى من الاحتلال الأوروبي للقارة الأفريقية، بالعصور الحديثة والكشوف الجغرافية الكبرى، خاصة من قبل إسبانيا والبرتغال وهولندا وإيطاليا، والتي بدأت إرهاصاتها الأولى في القرن الـ15.

جغرافيًا، لا تقتصر مرحلة الاحتلال الأوروبي للقارة الأفريقية فحسب، بل امتدت لتطال بسوءاتها الشتات الأفريقي في العالم الجديد، تحديدًا الأمريكيتين وجزر الكاريبي، بالنظر إلى الأعداد الكبيرة من المنحدرين الأفارقة التي وصلت ملايين الأفارقة، كانت نسبة معتبرة منهم قد تعرضت للظلم والعنصرية البيضاء.

وما يخص القارة الأفريقية، كانت البداية مع الكشوف البرتغالية تحديدًا، التي ركزت على الوصول إلى الهند عبر الالتفاف حول أفريقيا وتخطي تاريخ التجارة القديم من الهند إلى أوروبا.

الكشوفات البرتغالية

ففي طريق كشوفاتهم، حطت أنظار البرتغاليين لأول مرة على سواحل غرب القارة، والجزر الأفريقية في المحيط الأطلنطي، مثل جزر الكناري والرأس الأخضر (جمهورية كاب فيردي).

تواصلت الكشوفات البرتغالية، منتصف القرن 15 وصولاً إلى ما يعرف حاليًا بساحل غرب أفريقيا مثل غانا والسنغال ونيجيريا، لتتمدد إلى الجنوب حتى مناطق الكونغو الأولى، والتي تمثل الساحل الجنوبي في غرب أفريقيا، وبحلول ثمانيات القرن 15 وصلوا رأس الرجاء الصالح في أقصى نقاط القارة جنوبًا.

ألهمت الكشوفات البرتغالية، القوى الأوروبي الأخرى، والتي بدأت هي الأخرى أعمالها الكشفية في القرنين 16 و17.

وهذه المرحلة تمتد من منتصف القرن 15 إلى أواسط القرن العشرين، أي حوالي 5 قرون، بدأت بتجارة الرقيق، التي شهدت نقل حوالي 100 مليون أفريقي من القارة إلى العالم الجديد، مات منهم الآلاف خلال رحلات بحرية غير إنسانية وصلت ذروتها في القرنين 17 و18.

تجارة الرقيق

أدت تجارة الرقيق إلى وجود مشكلات في مجتمعات الشتات الأفريقي في العالم الجديدة، تحديدًا للأفارقة الذين كانوا بل كيان أو هوية، ومجرد أشياء يعاملون باحتقار ودونية، بيد أن السياسة الغربية الاستعلائية أفرزت مفكرين سعوا لمواجهة تلك الأوضاع السيئة.

وبدءًا من منتصف القرن 18 وصولاً إلى القرن 19، تحول مسار الأوروبيين من التجارة في الرقيق إلى التجارة في السلع، مثل زيت النخيل والكاكاو وغيرها من المواد الخام التي كانت تحتاجها الثورة الصناعية في أوروبا الغربية.

وعزز ذلك، تراجع أهمية الحاجة للتجارة في البشر، التي مهدت لإعلانات حظر تجارة الرقيق، على يد بريطانيا أولاً إلى أن توقفت عالميًا.

وبعد حظر تجارة الرقيق، ظلت قضايا العنصرية قائمة، بل إنه في الولايات المتحدة حتى عام 1964 عندما صدر قانون الحقوق المدنية كان ما يزال هناك تفرقة وعنصرية منظمة بالقوانين.

وخلال تلك المرحلة، مارست القوى الاستعمارية واستخدمت من الوسائل المادية والأدوات العسكرية لتدمير إرادة المقاومة عند الأفارقة، لتخلق لديهم عقدة النقص والدونية وأن الأوروبي أو الأبيض عمومًا أفضل وأسمى وجاء ليؤدي رسالة حضارية.

النظريات العنصرية

كما وظفوا نظريات عنصرية زعموا أنها تستند للعلم تثبت أن الأفارقة والزنوج في أدنى المستويات ولا يرقون لمستوى البشر حتى، وذلك لتسهيل السيطرة عليهم وإخضاعهم كعبيد في البداية ثم لاحقًا احتلال القارة الأفريقية.

وكان لهذه الوسائل أغراض أخرى منها تبرير الممارسات الاستعمارية العنصرية غير الأخلاقية، التي استغلت ونهبت الثروات الأفريقية، وخلق الإعجاب بالنموذج الغربي، والانبهار به، بحيث يجعل الأفريقي مع الوقت الذي يشعر فيه بالدونية أن الأوروبي هو القدوة.

وأثار ذلك لا تزال موجودة في العالم الثالث عمومًا وأفريقيا خاصة، الأمر الذي يسهل السيطرة والخضوع للأوروبيين كذلك.

ولتحقيق ذلك وظفت القوى الاستعمارية والعنصرية الأدوات الفكرية والسيكولوجية لمواجهة الشعوب والجماعات الأفريقية، فلم يتوانوا عن استخدام أية وسيلة، منها علوم التاريخ والأجناس والبيولوجي، والإنتاج الفكري والفني والأدبي؛ بهدف تعزيز المنظور الأوروبي المهيمن، وإخراج أفريقيا من نطاق الحضارة العالمية الإنسانية.

فعلى سبيل المثال هناك نماذج منها نظرية دارون (نظرية التطور) وضعت الزنوج في المرتبة الدنيا من التطور البشري، وقدمته كبحث علمي، وهذه النظرية وظفت لاحقًا لمبدأ فكرة البقاء للأصلح، وبما أن الأوروبيين هم الأقوى فهم لهم حق البقاء.

وفي الدراسات التاريخية، تم إخراج الأفارقة والزنوج من تاريخ العالم، حيث إن الكتابات السائدة تزعم أن أفريقيا ليس لها أي اسهام في الحضارة الإنسانية، وأن الجزء الشمالي مثل الحضارة المصرية وحضارة قرطاج لا تنتمي للقارة بل هي تنتمي لأوربا أو آسيا.

أما أفريقيا ليس لها أي دور أو إسهام حضاري، حيث إن الفيلسوف الألماني هيجل في كتاب له عن فلسفة التاريخ، لم يذكر أفريقيا إلا في صفحات قليلة، وما كتبه لا يبعث على الفخر أبدًا للأفارقة، ومنها ما قاله: “أفريقيا (جنوب الصحراء) هي الروح التي لا تزال على حالة الطبيعة المجردة، والتي يجب تقديمها فقط على أنها على عتبة تاريخ العالم، وهذه أفريقيا تعتبر مكانًا ليس له أي اهتمام تاريخي، ونجد سكانها يعيشون حياة الهمجية .. بعيدًا عن نور التاريخ الواعي”.

وهناك أيضًا النظرية العنصرية للكاتب والمؤلف الفرنسي آرثر جوبنو في منتصف القرن 19، الذي تناول عدم المساواة بين الأجناس البشرية، وبكل طلاقة ذكر أن الجنس الأسمى هو الأبيض وفي قلبه الآري، ويضع السود في أدنى هذه المجموعات، وبأن أي اختلاط بين الأجناس يؤدي إلى أفول الحضارة الإنسانية.

وهذه الأدوات أطلق عليها لاحقًا أنها العنصرية المبنية على أسس علمية، وظلت سائدة طوال القرن 19 والنصف الأول من القرن العشرين، وفي هذا السياق أيضًا تم استخدام الفن والأدب والروايات لدعم الصورة الأوروبية المزعومة حول الزنوج والأفارقة.

فعلى سبيل المثال في ثلاثيانات القرن 19 كان هناك ممثل أبيض يدعى رايس توماس، أدى أغنية كانت تستخدم للسخرية من السود، أطلق عليها “جيم كرو”، التي صارت لاحقًا الوصف التحقيري لزنوج أمريكا، ومنها عرفت قوانين الفصل العنصري في الجنوب الأمريكي باسم جيم كرو.

الأدب الأفريكاني

وفي الأدب الأفريكاني (الذي أنتجه الأفريكانز في جنوب أفريقيا) كان يطرح الأسود بصورة سيئة، بأن يقدمه مثلاً في صورة خادم أو مهرج أو التائه الذي لا يصلح لحياة المدينة، في صورة ذهنية غير جيدة رسمت للسود في الأدب والروايات.

ومجمل كل ذلك، أن يُرسم الأفارقة خاصة الزنوج في صورة سيئة بأنهم أدنى وأقل من البشر سواء بالنظريات العلمية أو التطور التاريخي، بأنه لا دور لهم في الحضارة، وأن أوروبا جاءت لتخرجهم من البربرية، وأنهم لا يصلحون إلا عبيدًا أو عاملين في صور وضيعة.

ولم يكتفوا بذلك فحسب، بل طوروه وجسدوه في قوانين، كما في جنوب أفريقيا (نظام الفصل العنصري) وولايات الجنوب الأمريكي.

فعقب نهاية الحرب الأهلية الأمريكية 1861 التي نشبت بالأساس بسبب الخلاف حول إلغاء الرقيق، الجنوب رفض ذلك وحدثت الحرب الأهلية، والتي انتهت بانتصار القوات الاتحادية وبالتالي ألغي الرق بشكل رسمي.

وفي المقابل بدأت ولايات الجنوب الأمريكي التي كان يقطنها السود في تقنين الفصل العنصري الكامل بين البيض والسود، ورفعوا شعارًا مزيفًا “متساوون لكن منفصلين” وهو أمر لم يكن حقيقيًا إذ أن البيض كانوا مسيطرين على كل شيء.

بالإضافة إلى التقنين، كانت ممارسة البيض تتخطى القوانين، كحرق السود أو تقطيعهم، حتى أن المفكر الأفريقي الشهير وليام ديبوا شاهد بنفسه واقعة تقطيع أسود من قبل رجل أبيض.

تقارير متصلة

زر الذهاب إلى الأعلى