التاريخ الأسود

من تربية الماشية إلى اقتصاد المعرفة.. بوتسوانا ألماسة إفريقيا الملهمة

تحول كبير تشهده جمهورية بوتسوانا على كافة الأصعدة السياسية والمجتمعية والاقتصادية، في السنوات الأخيرة، فالدولة عندما حصلت على استقلالها عن بريطانيا في سنة 1966، كانت سابع أفقر دولة في العالم يعاني شعبها الفقر والجهل وغياب الرعاية الصحيَّة، مع مساحات شاسعة من الصحراء غير قابلة للزراعة.

بوتسوانا وهي رسميًا جمهورية بوتسوانا هي دولة أفريقية على الحدود مع ناميبيا وجنوب إفريقيا وزامبيا وزيمبابوي. يعد الموقع الجغرافي لبوتسوانا ميزة نظرًا لموقعها الاستراتيجي للأغراض التجارية.

بالإضافة إلى ذلك فإن بوتسوانا تنتمي إلى الدول الحبيسة، أي تلك التي لا تملك أيَّة إطلالة على البحر، بل هي محصورة وسط جغرافيا بريَّة تحدُّها دول من جميع الاتجاهات.

ومع ذلك تشهد بوتسوانا اليوم تحقيق نسب نمو عاليةً وصلت إلى 7.5%، كما بلغ متوسِّط الدخل الفردي 15 ألفًا و452 دولارًا سنويًّا، وهو رقم كبير جدًّا، خاصةً إذا عرفنا أن دولة أفريقية أكبر بكثير مثل مصر، بلغ دخل الفرد فيها 3.83 ألف دولار في العام المالي 2021.

وتُعرف بوتسوانا بامتلاكها نظامًا سياسيًّا شفَّافًا وفعَّالًا، ولم تشهد على مدار تاريخها كدولة مستقلة منذ 1966 أية انقلابات عسكرية أو حروب أهلية؛ فكيف استطاعت بوتسوانا تحقيق هذا؟

وهي أيضًا ليست بلدا ساحليا، وهي مُحاطة بجيران لم يشهدوا نفس التطور الثابت من حيث السلام والديمقراطية، مثل جنوب إفريقيا في زمن الفصل العنصري أو زيمبابوي، التي لا تزال دولة استبدادية.

تجربة ملهمة

اطلقت الحكومات المتعاقبة عدَّة برامج اقتصادية من أجل تحويل اقتصاد البلاد الهش المبني على تربية المواشي، ليحوِّلها إلى بلدٍ يركِّز على تصدير اللحوم والنحاس؛ وقد ساهمت اكتشافات الاحتياطيات الضخمة للألماس في إنعاش الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تملك بوتسوانا أكبر منجم للألماس في العالم، الموجود في أورابا شرقي البلاد.

وتصدِّر الدولة ما يُقدر بنحو 5 مليارات دولار سنويًّا من الألماس بوصفه المورد الرئيس للبلاد، ويمثِّل نحو 40% من مداخيل الدولة، مما جعلها انموذجاً يحتذى به في القارة الافريقية في هذه الدولة في إدارة مواردها الريعية وضمان عدم تراكم الثروة الريعية لدى نخبة قليلة في أعلى هرم السلطة، مثلما حدث في الكونغو وأنجولا وغيرها من الدول الإفريقية، ونجاحها في بناء نظام عدالة اجتماعية جعل دخل الفرد فيها هو الرابع على المستوى الإفريقي، يبقى إنجازًا يستحق الإشادة.

ورغم امتلاك بوتسوانا ثروة هائلة من معدن الألماس غالي الثمن، فإن ذلك وحده لا يفسِّر النجاح الاقتصادي الذي حقَّقته، إذ إن الكثير من الدول الأفريقية تمتلك احتياطيَّات ضخمة من الألماس (الكونغو، أنجولا، نيجيريا) إلى جانب ثروات معدنية وكميَّات هائلة من النفط والغاز.

وبالإضافة إلى ثروة الالماس تم اعتماد نسباً منخفضة من الضرائب من أجل تجنُّب التهرُّب الضريبي، كما اعتماد نظام اقتصاد السوق وتحرير المبادرات الاقتصادية، عكس ما كان شائعًا في القارة الإفريقية من اعتماد نظام رأسمالية الدولة، كما تبنت بوتسوانا الديمقراطية الليبرالية نظاماً سياسياً.

وركَّزت بوتسوانا جهودها على تحقيق الإقلاع الاقتصادي والإنفاق على البنية التحتية وتطوير قطاع اللحوم.

نجحت بوتسوانا في إرساء نظام سياسي خالٍ نسبياً من الفساد، وهذا ما تؤكده المؤشرات العالمية، إذ إن بوتسوانا تتسيَّد مؤشِّر الشفافية في القارة الأفريقية، محتلَّة المرتبة الـ35 عالمياً ومتقدمة على بلدان أوروبية مثل إيطاليا واليونان.

وتعد حالة الاستقرار السياسي التي عرفتها البلاد منذ استقلالها أبرز العوامل التي سمحت لبوتسوانا بتحقيق التقدُّم الاقتصادي وتحقيق نسب نموٍّ عالية.

كما لم تشهد أي انقلاب عسكري أو حرب أهلية أو نزاعات داخلية، وقد جاءت في المرتبة الـ48 على المستوى العالمي في مؤشر الديمقراطية لجامعة “فوجتزبرج” الألمانية لسنة 2021، والمرتبة الثالثة في القارة الأفريقية بعد كلٍّ من جنوب أفريقيا وتونس.

الملكية الصناعية

وفي بوتسوانا، تتم حماية حقوق الملكية الصناعية من خلال قانون الملكية الصناعية (2010) وتشمل الحقوق التي يشملها هذا القانون العلامات التجارية وبراءات الاختراع ونماذج المنفعة والرسوم والنماذج الصناعية والمؤشرات الجغرافية والمعارف التقليدية والدوائر المتكاملة.

هيئة الشركات والملكية الفكرية (CIPA) ، التي كانت تُعرف سابقًا باسم مسجل الشركات والملكية الفكرية (ROCIP) ، هي الكيان المسؤول عن منح هذه الحقوق وقد تم تأسيسها بموجب قانون برلماني في عام 2011 (قانون سلطة الشركات والملكية الفكرية ، (Cap. 42:13) لتعزيز وتمكين الحماية الكاملة لحقوق المستثمرين وأصحاب الحقوق التي تم الحصول عليها بموجب قانون الشركات وقانون تسجيل الأسماء التجارية وقانون الملكية الصناعية وقانون حقوق النشر والحقوق المجاورة. أصبحت CIPA الآن هيئة شبه حكومية تحت إشراف وزارة التجارة والصناعة الأم.

وتحت شعار “تسخير الملكية الفكرية من أجل التحول الاقتصادي”، وهو برنامج مصمم لنظام الملكية الفكرية لتعزيز الابتكار من أجل التحول الاقتصادي في إطار رؤية البلاد 2036 ، أطلق الرئيس موكغويتسي ماسيسي رسميًا أول سياسة وطنية للملكية الفكرية في البلاد (BIPP) ، في 15 نوفمبر 2022.

اقتصاد المعرفة

تبرز سياسة الملكية الفكرية في بوتسوانا كانتقال من اقتصاد قائم على الموارد إلى اقتصاد قائم على المعرفة (تنحي جانباً مساهمة المعادن ، والتي من المرجح أن تنخفض في المستقبل) وتؤكد على رؤية مرتبطة بالعلم والتكنولوجيا والابتكار ، والإبداع. ومن ثم ، فإن بوتسوانا تضع آليات للاستخدام الاقتصادي لأصول الملكية الفكرية المتنوعة للتأكد من القدرة التنافسية والحفاظ عليها.

وبالتالي، تدرك الحكومة الحاجة إلى وجود إطار وطني شامل ومتكامل لسياسة الملكية الفكرية يضمن دمج الملكية الفكرية في السياسات الاقتصادية لبوتسوانا وكذلك ضرورة التوعية والتعليم والتدريب المناسبين لجميع الوكالات والإدارات المشاركة في إنفاذ الملكية الفكرية – خلق بيئة مواتية للاستثمار.

من المتوقع أن يتم بحلول عام 2036 تطوير صناعات قائمة على المعرفة قادرة على المنافسة والمستدامة، تتوقع الرؤية الوطنية 2036 أن تكون بوتسوانا قد نوعت اقتصادها من خلال الاستفادة من العلوم والتكنولوجيا والابتكار.

بالنظر إلى أن بوتسوانا تتمتع بإمكانات بارزة في مجال الملكية الفكرية ، فقد سعت إلى تطوير سياسات الملكية الفكرية على أساس ست ركائز:

  • تحسين إطار حوكمة الملكية الفكرية لتعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية.
  • تسهيل التوفر والوصول إلى التمويل لتوليد الملكية الفكرية (والذي يشمل الحوافز التي توفر امتيازات ضريبية (حسومات) وصندوق للابتكار والبحث في العلوم والتكنولوجيا ليشمل تمويل البحث والتطوير) والاستحواذ والتجارة.
  • تعزيز الوعي بالملكية الفكرية والتعليم والتدريب.
  • التفاوض الفعال بشأن اتفاقيات الملكية الفكرية لصالح بوتسوانا.
  • تطوير قدرات ريادة الأعمال في قطاعات مختارة مدفوعة بالملكية الفكرية مثل الأعمال التجارية الزراعية والصناعات الزراعية ، والصناعات الإبداعية ، وصناعة الرعاية الصحية ، وقطاع السياحة ، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
  • إنشاء الهياكل المؤسسية المناسبة لتنمية الملكية الفكرية. وتهدف هذه إلى تحسين سبل عيش مواطنيها وبناء القدرات الوطنية في العديد من القطاعات المختلفة.

ولا يجلب تطوير الابتكارات مساهمة داخلية فحسب ، بل يجلب أيضًا سيناريو خارجيًا للاستغلال التجاري، وذلك لأن فوائد تسويق الملكية الفكرية تشمل تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية ، بصرف النظر عن زيادة الكفاءة الاقتصادية وإنتاجية الشركات.

تقارير متصلة

زر الذهاب إلى الأعلى